هل الديموقراطية واقعية ؟

 ينتشرُ في ايامنا هذه عباراتٌ رنانة، مثل دولةٍ ديموقراطية، أو حكومةٍ منتخبة، أو رئيسٍ يختاره الشعب، كل هذه تعني أن الشعب هو الذي يحكم الدولة وليس الرئيس، سواءً كان ذلك بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، والأصح نظريًا أنه بشكل غير مباشر، لأن حكم الشعب مباشرةً أمرٌ غير منطقي، اما واقعيًا فهذا غير صحيح من الأساس في اعتقادي.

قبل ذلك، لابد من توضيح ماهية الديموقراطية وأنواعها حتى تتضح الصورة، الديموقراطية اصطلاحًا يمكن تعريفها بأنها : حُكم الشعب من قبل الشعب و لمصلحة الشعب، أما انواع الديموقراطية فهي اثنان، الأولى : الديموقراطية المباشرة، أي أن يحكم الشعب نفسه دون ممثلين ينوبون عنه في الحكم، وهذا مستحيلٌ قطعًا، خصوصًا في زمننا هذا، أما النوع الثاني فهو : الديموقراطية النيابية أو التمثيلية أو غير المباشرة - تعددت الأسماء و المعنى واحد - وهي تعني : أن يحكم الشعب عن طريق ممثلين ينتخبهم في البرلمان، لهذا النوع أنواع عديدة من أهمها الرئاسية والتي يتم فيها انتخاب الرئيس و رئيس مجلس الوزراء، أي رئيس السلطة التنفيذية و رئيس السلطة التشريعية، تختلف الأنواع وآلية الاختيار بين كلِ نظامٍ وآخر وبين كل دولةٍ و أخرى.

على كل حال، ما يهمنا هنا هو الفكرة الأساسية، وهي حكم الشعب - جوهر الديموقراطية - والذي في رأيي ليس إلا حبرًا على ورق! أو بصورةٍ أخرى، وهمٌ يُباعُ و يُشترى، إلا فيما ندر، وسأوضح لماذا أعتقد ذلك.

سآخذ الولايات المتحدة الأمريكية كمثال، تتم الإنتخابات الرئاسية الأمريكية كل أربع سنوات يتم فيها اختيار الرئيس الذي يعتبر قائد السلطة التنفيذية مع بعض الإختصاصات التشريعية و القضائية، كذلك تتم الانتخابات لاختيار اعضاء الكونغرس وهم أعضاء السلطة التشريعية، وذلك في فتراتٍ معينة تختلف بين المجلسين ( مجلس النواب و مجلس الشيوخ ).

عندما ينظر شخصٌ ما في عملية الانتخابات الأمريكية يعتقد أنه يرى أنموذجًا مثاليًا للديموقراطية الحقيقية، فيعتقد أن الشعب الأمريكي هو من يختار من يرأسهُ و يشرِّع قوانينه لفترةٍ ما، وفي هذه النظرة قلةُ إدراكٍ و وعي، سيسأل أحدهم سؤالًا مهمًا وهو، لماذا؟ 

اولا : أولئك المرشحون من الحزبين عليهم أن يدفعوا الملايين من الدولارات لحملاتهم الانتخابية ليحصلوا على الأصوات و يفوزوا، وقد يلجأون إلى جماعات الضغط و النُخب الاقتصادية لتمويل تلك الانتخابات، سواءً كان لانتخاب الرئيس أم لانتخاب لأعضاء الكونغرس. 

هذا الأمر عليه ملاحظتين، الأولى : إن تكلفة الحملات الإنتخابية العالية تُقْصي بشكلٍ مباشر جميع الفقراء و متوسطي الدخل من المشاركة و الترشح للرئاسة، وبذلك يُستبعد من الانتخابات الغالبية العظمى من الشعب ولا تتاح الفرصة للترشح إلا للأثرياء فقط! وهذا إختلالٌ كبير في جوهر الديموقراطية و تعريفها.

اما الملاحظة الثانية وهي : إن النُخب أو جماعات الضغط التي ستوافق على تمويل تلك الحملات الإنتخابية لن تمولها دون مقابل، سيكون لإولئك النُخب مطالب يطلبونها من المرشح عندما يفوز، سواءً بالسلطة التنفيذية أو بالسلطة التشريعية، وهذه المطالب لو حصلت فغالبًا انها ستفيد قلة قليلة من النُخب الثرية، في مقابل أنها قد تؤثر و تضر فئةً كبيرة من الشعب.

وأبرز مثالٍ لذلك، تلك المبالغ التي تُقدر بالمليارات، والتي ارسلتها الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل بعد موافقة الكونغرس من أموال الضرائب التي يدفعها الناخبين الأمريكيين، وذلك بسبب دعم منظمة الآيباك اللامحدود لغالبية مرشحي الكونغرس.

هل يعتقد أي شخص بأن المواطنين الأمريكيين سيكونون راضين عندما يوافق من قاموا بانتخابهم لخدمة مصالحهم بأن يرسلوا اموال ضرائبهم إلى خارج بلادهم بهذه البساطة؟ ما فائدة الانتخابات و الاختيار و وعود المرشحين إذنً؟

لا يعني هذا أن جميع الأموال تخرج خارج الولايات المتحدة الأمريكية، أو أنه لا يحصل أي تنمية، لا، على الإطلاق، بلا شك هناك تنمية، و تنمية كبيرة ايضًا، ولكن المقصد أن بعض القرارات - الكبيرة المتصلة بالسياسة الخارجية في الغالب - تتم الموافقة عليها من قبل السلطة دون الرجوع للشعب الذي انتخب هذه السلطة.

وليس بعيدًا عنه حال باقي الدول "الديموقراطية" سواءً كانت رئاسيةً أم برلمانيةً، فبطريقةٍ أو بأخرى، يكون هناك تلاعبٌ واضح من قِبل النخبة الحاكمة "المنتخبة" تسعى فيه لتحقيق مصالحها الخاصة مؤثرةً بذلك مصالح الشعب الذي انتخبهم.

ختاماً، هذا لا يعني أن الديموقراطية أمرٌ سيء، كما أنه لا يعني أن الديمقراطية لا يمكن أن تطبَّق، ولكنها ايضًا ليست كما يصفونها بأنها تجعل الشعب هو الذي يحكم ويُسيطر، فهذه مبالغةٌ كبيرة، وهذه رسالةٌ للذين يعتقدون أن النظام الديموقراطي هو النظام الأمثل للحكم في كل الدول، وهو ليس كذلك، لأن له ما له و عليه ما عليه، حاله كحالِ أي نظام حكم.

كما أنني ايضًا أعترض على تعريف الديموقراطية بأنها حكم الشعب، لأنها في اعتقادي، وبناءً على الواقع السياسي الذي نشهده في دول العالم اليوم، تكون أقرب لحكم النخبة، أي حُكم القلة للكثرة و تفضيل مصالح الأولى على مصالح الثانية، ولكنها مع الأسف نجحت بإيهام نسبةٍ كبيرة من الشعوب بأنها العكس.

كنت قد قرأت فيما مضى مقالاتٍ كثيرة لكتَّاب غربيين ينتقدون أنظمة الحكم العربية - الخليجية تحديدًا - وكأن أنظمتهم كاملةٌ لا نقص فيها ولا خلل، وهي على العكس تمامًا.

لو كانت الديموقراطية نظامًا مثاليًا لاستطاعت حل مشاكل بلدانها الداخلية الكثيرة، من فقرٍ و جوعٍ و تشرد، والتي بفضل الله لا تجدها في الدول الخليجية التي ينتقدها الديموقراطيين الغربيين.

الأولى على الكتَّاب السياسيين الغربيين الذين ينتقدون أنظمتنا الخليجية - خصوصًا أولئك الذين يتشدقون بحقوق الانسان - أن يراجعوا اولًا أنظمة بلدانهم ويهتموا بشؤونها قبل أن يحشُروا أنفهم فيما لا يعنيهم.

أُهدي هذا المقال لكل مواطنٍ عربي يضع من شأن بلداننا العربية ويرفع من شأن الدول الغربية، فالدول الغربية بها من المشاكل الداخلية - رغم ديموقراطيتها - ما قد يتجاوز مشاكل دولنا العربية، لذلك لا تنخدعوا بالشعارات الغربية البراقة، فالواقع المظلم يختلف تمامًا عن الدعاية التي تروجها الدول الديموقراطية، والسلام على من فكَّر و تعقَّل.

ختامًا، وكشخصٍ عاش في ظل نظامٍ ملكي طوال حياته، أرى أن الأنظمة الملكية هي الأفضل، خصوصًا إذا كان الحاكم رجلًا عاقلًا و قويًا و حكيمًا يرعى مصالح بلاده ويحرص عليها، وهذا ينطبق بشدة على حكَّام الدول الخليجية، لأنهم سعوا لرفعة بلدانهم و أوصلوها لأعلى المراتب.

كذلك، عندما نتفكر في التاريخ الإسلامي نجد أن أقوى الدولة الإسلامية كانت أنظمتها ملكيةً وراثية، استمرت فترةً طويلة و عاشت شعوبها في رخاءٍ و ازدهار مثل الدولة الأموية و الدولة العباسية وغيرها الكثير.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العملاق الذي استيقظ

الوقت حان لطرد الإحتلال و تدمير حزب الشيطان

عاصمة الشرق الأوسط و وجهة السلام