العملاق الذي استيقظ

 خلال السنوات العشر الماضية، بدأ يظهر جلياً دور المملكة العربية السعودية الإيجابي على مستوى المنطقة العربية وعلى المستوى الدولي كذلك، في كافة المجالات، السياسية و الاقتصادية و الخيرية والأهم الدبلوماسية، وذلك يتضح في أمور كثيرة حدثت وما زالت تحدث وسيستمر تأثيرها لسنين قادمة.

اولاً : السعودية من الداخل

بدأت المملكة العربية السعودية إصلاحات ضخمة وإطلاق مشروعات نوعية مع تولي سمو الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد تشمل العديد من المجالات، ومن أهمها المشروعات الصناعية و المشروعات التقنية، و المشروعات السياحية، بالإضافة للتعدين و زيادة نسبة الاستثمارات، وذلك لتتمكن السعودية من تنويع مصادر دخلها بعيداً عن النفط، وهذا ما أعتقد أنه سينقل السعودية إلى المكانة التي تستحقها حيث ستنافس في القريب العاجل الدول العظمى صناعياً و اقتصادياً بإذن الله، لأن النفط مهما طال زمنه سيتم الإستغناء عنه في يومٍ من الايام واستبداله بالطاقة النظيفة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح و الماء، وهو ما بدأت السعودية ايضاً الاستثمار به بشكلٍ مكثف، خصوصاً الطاقة الشمسية، لإستغلال موقعها الذي يقع في منطقة الحزام الشمسي، هذا بخلاف الصناعات المرتبطة بهذا المجال مثل صناعة الألواح الشمسية ومشتقاتها، ايضاً، من الجوانب المهمة التي ركزت عليها السعودية داخلياً، مسألة الصناعات العسكرية، حيث أقرت بأنه لن يتم يوقيع صفقة أسلحة دون محتوى محلي، وبالفعل، نجحت السعودية في ظرف سنواتٍ قليلة رفع نسبة الصناعات العسكرية المحلية إلى نسبة 19.35% حتى نهاية 2024، والهدف في 2030 الوصول لنسبة 50% في الصناعات العسكرية السعودية، هذا بلا شك سيُساعد في زيادة القوة السعودية في مجالاتٍ عدة، عسكرية واقتصادية و سياسية، داخلية و خارجية، وقد تم ايضاً بالفعل افتتاح أول مدينة صناعية مخصصة لتصنيع و صيانة الطائرات في مدينة جدة، بخلاف هذا، هنالك الكثير من الجوانب الأخرى المهمة التي تسعى السعودية للتركيز عليها خلال السنوات القادمة، من أهمها تقنيات الذكاء الاصطناعي وتشمل ابتكارها و صناعتها و تطويرها داخل السعودية.

ثانياً : السعودية في المنطقة

أصبحت المملكة العربية السعودية ركناً اساسياً من أركان منطقة الشرق الأوسط خصوصاً و المنطقة العربية عموماً، وهي كذلك منذ زمنٍ طويل ولكنها في الفترة الماضية إزدادت بشكلٍ كبير، وهذه ليست مبالغة، بل حقيقةً اصبحنا نراها رؤيا العين، حيث أصبحت السعودية مقصداً لكل بلد يرغب بالاستقرار و السلام و التعاون و القوة، من ذلك نشهد زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع للسعودية كأول وجهة خارجية له بعد توليه الرئاسة، وايضاً زيارة الرئيس اللبناني جوزيف عون والتي قالت فيها مصادر إعلامية لبنانية أنها ستكون يوم غد الأحد، كذلك ايضاً، الجهود السعودية التي كانت و ما زالت لحفظ استقرار المنطقة و سيادتها، ونذكر منها المساعدات السعودية التي لم تتوقف إلى سوريا و لبنان و غزة و السودان بكمياتٍ كبيرة وتشمل انواعاً مختلفة منها المساعدات الغذائية و الدوائية و المساكن المتنقلة وحتى المتطوعين من الأطباء و الممرضين الذين اجروا آلاف العمليات بالمجان، بالإضافة للدعوم الإقتصادية و المساندة السياسية في المحافل الإقليمية و الدولية، هذا مجهودٌ عظيم، في ظني لو تم توزيعهُ على ثلاث دول وربما أكثر لما استطاعت تحمله، كل هذه الجهود تبذلها السعودية لوجه الله اولاً، ثم لرفع شأن العرب وتعزيز و زيادة مستوى استقرار المنطقة ثانياً، كذلك اللقاء الذي تم بين سمو وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان و العماد جوزيف عون قبل توليه الرئاسة ثم اللقاء بين معالي وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان مع الرئيس اللبناني جوزيف عون و نواف سلام رئيس وزراء لبنان، والذين تم التأكيد فيهما على حرص السعودية على استقرار لبنان و سلامته و وحدة أراضيه، يأتي هذا الدعم السعودي للبنان في هذا الوقت في إعتقادي للوقوف جنباً إلى جنب مع لبنان أمام الغطرسة الإسرائيلية، وهذا الأمر ليس حديثاً، بل منذ عهد الرئيس رفيق الحريري رحمه الله بل وأقدم، وليس في لبنان و حسب بل في كل الدول العربية.

كذلك تم مؤخراً عقدُ لقاءٍ اخوي في الرياض بين قادة دول الخليج و مصر و الأردن تم فيه نقاش مسألة غزة و التأكيد على رفض "تهجير ترامب" وهو ما أجبر الرئيس الأمريكي على التنازل على موقفه بعد الرد العربي الموحد.

هذه التحركات السعودية، الحالية و السابقة، جعلت الأقطاب الأخرى المؤثرة في الشرق الأوسط ( تركيا و إيران و دولة الإحتلال ) تضع ألف أعتبار عند التعامل مع السعودية و تحسب ألف حساب، كذلك، ساعدت هذه التحركات السعودية على زيادة التأثير العربي اقليمياً و دولياً، و ساهمت في تشكيل و صعود جبهة عربية موحدة في وجه الأطماع الاسرائيلية في الأراضي العربية، في إعتقادي أن هذه القوة العربية ستكبر يوماً بعد يوم بإذن الله، طالما بقي العرب متحدين مع السعودية، أما إن افترقوا عنها فالله أعلم بحالهم، اما حال السعودية، ففي كلا الاحوال ستبقى قوية و تزداد قوة بإذن الله، والفائز هو من وضع يدهُ بيد السعودية.

ثالثاً : السعودية في السياسة الدولية

على المستوى الدولي، لعبت المملكة العربية السعودية باحترافية في علاقاتها مع القوى العظمى، حيث استطاعت تعزيز علاقتها في فترة ترامب الأولى، ولما تولى بايدن الرئاسة، حافظت على الحد الادنى من العلاقات مع بقاء مصالحها قائمة، في ذات الوقت، عززت علاقاتها مع الصين و روسيا ووقعت اتفاقيات استثمارية و شراكات متبادلة في مجالات عدة، دون المساس بالعلاقات مع امريكا في فترة بايدن، بعد فوز ترامب بفترته الثانية، حرصت السعودية على تعزيز مصالحها و استثماراتها مجدداً.

في مجال الوساطات الدولية، كانت المملكة العربية السعودية دائماً ارضاً للسلام و داعيةً للإستقرار في منطقة الشرق الأوسط و العالم على حدٍ سواء، فحاولت مرات عديدة إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية عن طريق الدبلوماسية، حيث استضافت كلٍ من الرئيس الأوكراني زيلينسكي و الرئيس الروسي بوتين، في اوقات مختلفة.

اخيراً استضافت السعودية وفدين رفيعي المستوى من الولايات المتحدة الأمريكية و روسيا لمحاولة إنهاء الخلاف بينهم و الاتفاق حول عدة مواضيع، منها الحرب الروسية الأوكرانية، نجح هذا اللقاء بإعادة العلاقات و تبادل السفراء بين القوتين العظمتين.

هذا بلا شك يفتح صفحةً جديدة في التاريخ، تكون فيه الرياض عاصمة للسلام والأمن و التعاون، مثل جنيف و روما و غيرها، بل وربما تطوي الرياض قيدهما تماماً.

السعودية اليوم تختلف تماماً عن السعودية قبل عشرة أعوام، السعودية اليوم قوةٌ عظمى تُصنع بهدوء و ثبات، تقارع القوى العالمية الحالية وهذا ليس مجازاً بل حقيقة، والدليل عندما خفضت السعودية اسعار النفط عبر زيادة انتاجها إلى الطاقة القصوى رداً على روسيا عندما خفضت انتاجها من النفط لرفع الأسعار، مما يعني رفض روسيا الإلتزام باسعار اوبك بلس، كذلك لما رفضت امريكا بيع منظومات الثاد للسعودية توجهت السعودية مباشرة لروسيا لشراء منظومات S-400 في رسالة من السعودية لأمريكا بأن البديل متوفر، هذا الأمر جعل الولايات المتحدة الأمريكية ترضح و تقبل ببيع منظومات الثاد للسعودية.

ختاماً، المملكة العربية السعودية الأن أصبحت قوة إقليمية لا يُستهان بها، وهي في طريقها لأن تكون قوةً عالمية وقطباً من الأقطاب الدولية الجديدة، وذلك عبر قوتها السياسية و الإقتصادية و الصناعية و التقنية و الاستثمارية الحالية و القادمة بإذن الله تعالى.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من حرب الاستخبارات و تصفية القيادات إلى الحرب الإقليمية

الحرب و الانتخابات الأمريكية و مستقبل الشرق الأوسط