المشروع السعودي
شهدنا في سنة 2024 أحداثاً قوية في منطقة الشرق الأوسط أثرت و ستؤثر بإذن الله ايجاباً على مستقبل المنطقة و دولها و شعوبها، وسأستعرض أهم الأحداث التي حصلت وأبرز تأثيراتها على مستقبل المنطقة من وجهة نظري الشخصية.
في السابع و العشرين من نوفمبر 2023 بدأت قوات الثورة السورية حربها ضد نظام الاسد، وخلال احدى عشر يوما تقدمت قوات الثورة حيث سيطرت على حلب و إدلب و حماة واخيراً سيطرت على دمشق في الثامن من ديسمبر حيث أنهت بذلك حكم عائلة الأسد الذي استمر أربعة و خمسين عاماً.
هذه الحرب أنهت الوجود الايراني في سوريا و الذي كان يتم دعمه عن طريق الدماء و الثروات السورية مع الأسف الشديد طوال الأعوام الأربعة عشر الماضية.
ممَّا يدعو و يبشر بالخير هو أنه بعد سقوط نظام الأسد و حليفه الايراني كانت قيادة الثورة حكيمة حيث سعت للحفاظ على ما تبقى من مؤسسات الدولة و تطويرها لإعادة بناء سوريا جديدة عوضاً عن حكم الدولة بعقلية الجماعات المسلحة.
اما الأمر الآخر الذي يبشر بالخير هو تهافت الدول العربية و على رأسهم المملكة العربية السعودية لدعم دولة سوريا في كافة المجالات.
في هذا الصدد دعت المملكة العربية السعودية المجتمع الدولي لإحترام وحدة سوريا كما و قدمت لها الدعوم الانسانية و الاقتصادية عبر فتح الجسور البرية و الجوية المستمرة دون إنقطاع والتي تحتوي على المواد الغذائية و الطبية و الأسمنت بالإضافة للمعدات الطبية و الوقود رغم الحظر المفروض على الأخير وذلك لإعادة إعمار و بناء دولة سورية جديدة و مستقلة و قوية وهو ما سيسصب بإذن الله في مصلحة المنطقة ككل و سيساهم ايضاً في زيادة مكانة السعودية على المستوى الإقليمي و زيادة التبادلات و المنافع التجارية بين سوريا و السعودية بما يحقق للطرفين الفائدة و النفع و الإستقرار بإذن الله.
قد يقول القائل إن السعودية استقبلت بشار الاسد فهذا يعني أنها تدعمه فكيف تقوم الأن بدعم الثوار و تدعي انها تدعم الوضع الانساني في سوريا؟
اولاً هذا الإدعاء باطل جملةً و تفصيلاً، استقبلت السعودية بشار الأسد للوصول إلى اتفاق حول قرار الأمم المتحدة رقم 2254 المعني بالوصول إلى تسوية سياسية للوضع في سوريا، ورغم ذلك فالمساعدات الانسانية السعودية للمناطق السورية لم تتوقف، كما أن السعودية دعمت الجيش الحر دعماً عسكرياً و مادياً و تقنياً لإسقاط حكم الاسد لأنه مكن لإيران بأن تسيطر على الاراضي السورية و تنشر فيها ميليشاتها وهو ما يضر بأمن المنطقة و استقرارها.
لا نستطيع انكار دور تركيا في دعم الثوار بحكم انها متضررة من وجود التنظيمات الكردية مثل حزب العمال الكردستاني PKK على حدودها الجنوبية والتي تعتبرها تركيا مضرة لأمنها القومي ولكن، للسعودية في إعتقادي دور ايجابي سابق و حالي في حفظ استقرار سوريا و ردها للمحيط العربي منذ انطلاق الثورة و حتى اللحظة الحالية وإلى الأبد.
الحدث الآخر المهم الذي حدث في 2024 هو مقتل حسن نصر الله أمين حزب الله اللبناني.
كان حزب الله منذ بداية 2024 يتلقى الضربات تلو الضربات من دولة الإحتلال دون أن يكون هناك أي رد مؤثر من قِبله، والمؤسف أن هذه الضربات كانت تضر و تدمر في المقام الأول لبنان و بنتيها التحتية وتخيف شعبها و تهجره حتى أن دولة الإحتلال دخلت للحدود اللبنانية وأحتلت مناطق واسعة دون أي حراك مؤثر من حزب الله.
في السابع والعشرين من سبتمبر لعام 2024 استطاعت دولة الإحتلال قتل حسن نصر الله وكانت تلك هي الضربة التي قسمت ظهر الحزب، فبعد الضربات التي تلقاها الحزب من دولة الإحتلال والتي قُتل بسببها أبرز قادات الحزب و خبرائه أتى مقتل نصر الله ليكون في إعتقادي هو بداية النهاية للحزب الخبيث الذي كان و لا يزال حتى اليوم الورم الخبيث في لبنان.
ومما ساعد في إضعاف الحزب هو تحرير سوريا من حكم الأسد و طرد الميليشات الإيرانية منه والتي كان على رأسها حزب الله بفرعيه اللبناني و السوري، وهذا الأمر جعل حزب الله يفقد طريق إمداداته التي كانت تصله من سوريا و العراق وفي إعتقادي الشخصي أن الجيش اللبناني سيكمل مهمة القضاء على ما تبقى من حزب الله ثم طرد قوات الإحتلال من أراضي لبنان لتعود دولةً مستقرة لا تعبث بسيادتها ميليشاتٌ مسلحة، شريطة أن يتم دعمه بالتسليح و الخبرات.
ومما يدعو للتفاؤل أن وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان آل سعود أجتمع مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون حيث بحثا مستجدات الأوضاع في لبنان.
أعتقد أن هذا اللقاء يعد بدايةً تعاونٍ مباشر بين السعودية و لبنان لدعم الجيش اللبناني لفرض سيطرته على كامل حدود لبنان واستعادة سيادته لتطهير لبنان وإعادتها لتكون أفضل و أجمل باذن الله في القريب العاجل بعد تدمير حزب الشيطان، إضافة لدعم الدولة اللبنانية بشكل عام.
هناك ايضاً العراق التي بدأت هي الأخرى تتأثر من تقلص النفوذ الايراني من حوليها وشعر بعض من فيها بالهلع بعد سقوط الاسد و ضعف حزب الله بشكل مؤثر، من جهة أخرى بدأ التقارب السعودي مع العراق بشكل مكثف من عهد رئيس الوزراء العراق السابق مصطفى الكاظمي واستمر حتى رئيس الوزراء العراقي الحالي محمد شياع السوداني بل و زاد حيث توسعت العلاقات السياسية بالإضافة للتعاونات التجارية و الإقتصادية، وكان آخرها زيارة السوداني لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في مخيم العلا.
في الجانب الآخر من شبه الجزيرة العربية وتحديداً بجوار مضيق باب المندب حيث يتمركز الحوثيين والذين كانوا قد شنوا هجمات عديدة على اسرائيل كانت في الغالب غير مؤثرة باستثناء ربما منع السفن الإسرائيلية من المرور من المضيق نحو ميناء ايلات.
المؤسف أن هذه الضربات تعود بردة فعل أقسى على اليمن وأهله من قبل دولة الإحتلال و حلفائها حيث يتم استهداف كل المناطق الحيوية دون تمييز لما قد يكون مدنياً وما قد يكون تابعاً للحوثيين.
كانت السعودية قد حذرت من الحوثيين و حاربتهم سنين طويلة وكان المجتمع الدولي في المقابل يصر على دعم الحوثيين و محاولة ايقاف التحالف أو ابطاء تقدمه و ذلك عبر الاتهامات الباطلة و غيرها من الحيل لدعم الحوثي وها هم الأن يدفعون ثمن تمكين الحوثي.
هناك نقطة يجب الإشارة لها، وهي برغم السنين الطويلة التي قضتها السعودية في محاربة الحوثيين مع بذل جهد كبير جداً في حفظ ارواح المدنيين، تستمر جهودها حتى هذه اللحظة في اعمار اليمن و زيادة استقراره عبر مشارعيها التنموية المختلفة من بناءٍ للمدارس و المستشفيات و الوحدات السكنية و توزيع السلال الغذائية وذلك ليس في اليمن وحسب بل في كل البلدان العربية المحتاجة وذلك من باب دعم الاشقاء العرب و الوقوف معهم.
ناهيك عن مشروع مسام المكلف بنزع الألغام التي زرعتها جماعة الحوثي، و غيرها من المشاريع سواءً في اليمن أو غيره والتي تؤكد دور المملكة العربية السعودية الريادي و الإنساني لحفظ استقرار المنطقة.
بعد أن ذاق العالم ما حذرت منه السعودية يعودون الأن للسير كما نصحت السعودية لدعم الشرعية والتي حسبما افادت بعض المصادر أنها بدأت تستعد هي الأخرى بدعم السعودية للتوجه لصنعاء و تحريرها من الحوثي و محاربته لإزاحته و طرده من اليمن وبذلك سيخرج اليمن من سيطرة ايران بعد سوريا بإذن الله في القريب العاجل.
وبالقرب من اليمن نجد السودان الجريح الذي يعاني الأمرين بسبب الحرب الأهلية بين الجيش السوداني بقيادة عبدالفتاح البرهان و قوات الدعم السريع بقيادة حيمدتي، كانت و ما زالت هذه الحرب سبباً اساسياً في تدمير السودان و تهجير أهله و هو بلا شك كارثة بكل المقاييس، وفي خضم ذلك كانت السعودية و ما زالت تحاول ايجاد حلٍ لإنهاء هذه الحرب و إعادة الإستقرار للسودان بالتعاون مع الأطراف السودانية و الإقليمية و الدولية وذلك عبر الوصول إلى اتفاق بين الأطراف المتحاربة ثم تسليم السلطة و إعادة بناء الدولة ولكن مع الأسف أن تعنت الأطراف الداخلية و اختلاف مصالحها و داعميها أدى لعدم الوصول لإتفاق وبالتالي استمرار هذه الحرب الموحشة.
كانت المملكة العربية السعودية و ما زالت و ستضل دائماً الداعم الأول للاستقرار و السلام في منطقة الشرق الأوسط خصوصاً وفي دول العالم العربي عموماً دون حسد أو مطامع، و تبذل في سبيل ذلك كل ما تستطيع من الوقت و المال مع العمل بكافة الوسائل الممكنة و المتاحة ولو كان في ذلك كسر القوانين و الموانع الدولية.
اخيراً مع وصول ترامب "العقلاني" نوعاً ما لسدة الحكم في البيت الأبيض فهذا سيعني بإذن الله الوصول لمنطقة أكثر استقراراً بقيادة المملكة العربية السعودية كقائدة للعالم العربي والإسلامي على خلاف فترة بايدن التي كانت تحركها بشكلٍ كبير أجندة الحزب الديموقراطي الراغبة بعدم استقرار المنطقة.
ختاماً، استذكر مقولة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حفظه الله عندما قال : لا اريد أن افارق الحياة إلا و أرى الشرق الأوسط في مقدمة مصاف العالم و أعتقد أن هذا الهدف سوف يتحقق 100%، هذا الحديث يوضح المشروع السعودي الذي يهدف لإستقرار الشرق الأوسط والذي سيتم تلقائياً إذا تم القضاء على الميليشيات و تثبيت حكم الدولة و بسط سيادتها على أراضيها بالكامل.
اخيراً، انا سعيد للغاية بهذه التحركات و أتمنى المزيد منها في سبيل زيادة استقرار المنطقة و طرد الميليشيات منها و فرض حكم الدولة و استعادة سيادتها وهذا ما سيتم بإذن الله بوجود المملكة العربية السعودية كقائدة للعالم العربي والإسلامي.
تعليقات
إرسال تعليق